اليمن: التحوّل الكبير في سلطة الشرعية يضع الشارع بين تفاؤل للخروج من الأزمة وتشاؤل في الدخول بأخرى

اليمن: التحوّل الكبير في سلطة الشرعية يضع الشارع بين تفاؤل للخروج من الأزمة وتشاؤل في الدخول بأخرى

  • اليمن: التحوّل الكبير في سلطة الشرعية يضع الشارع بين تفاؤل للخروج من الأزمة وتشاؤل في الدخول بأخرى

اخرى قبل 2 سنة

اليمن: التحوّل الكبير في سلطة الشرعية يضع الشارع بين تفاؤل للخروج من الأزمة وتشاؤل في الدخول بأخرى

خالد الحمادي

تعز ـ «القدس العربي»: التغيير الكبير الذي حدث صباح الخميس المنصرم في سلطة الشرعية في اليمن، بهذا الشكل الذي لم يكن أحد يتوقعه مطلقا، كان بمثابة ثورة شاملة على سلطة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، غيّرت معالمها وفتحت آفاقا واسعة للتفاؤل بتحسن الأوضاع والبدء في حلحلة الأزمة اليمنية، بعد الانتهاء من حالة الجمود التي رافقت فترة رئاسة هادي، كما فتحت باب التحفّظ من قبل البعض على ذلك بعدم تفاؤلهم بما جرى من تغييرات، لاحتمالية ان تتضاعف الأزمة اليمنية إثر تقسيم رئاسة الدولة إلى ثمانية رؤوس متشاكسة هم عدد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بدلا من رأس واحد بقرار موحد.

لا شك أن الغالبية العظمى من اليمنيين، سواء الموالين للحكومة أو الموالين للحوثيين، مرتاحون وسعداء بهذا التحوّل الكبير، المتمثل بإعلان تشكيل المجلس القيادي الرئاسي صباح الخميس الماضي، برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي وعضوية 7 أشخاص، نظرا لأن الأزمة اليمنية كانت قد بلغت بالشارع مبلغا لا يطاق، ووصل الشارع إلى طريق مسدود ويأس كامل بأي إمكانية لحدوث خرق في جدار الأزمة اليمنية، في ظل قيادة الرئيس هادي، نتيجة أكثر من عشر سنوات من حالة الجمود والسلبية السياسية التي شهدتها فترة رئاسته وأصبح ميئوسا منه في خلق أي تحوّل نحو الأفضل، حتى وصل الناس إلى قناعة بضرورة التغيير حتى ولو إلى الأسوأ، للخروج من حالة الجمود واليأس.
وعزز هذا التفاؤل أن الرئيس للمجلس القيادي الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، يعد من أفضل رجالات الدولة في اليمن بالوقت الراهن، وعليه اجماع واسع وقبول من جميع الأطراف، لا ينافسه عليها أحد، لمهارته في التعامل مع جميع الأطراف كرجل دولة من الطراز الرفيع، وتمتعه بخبرة سياسية وأمنية وعسكرية طويلة، مع تأهيل علمي عالي.
وفي المقابل يرى عدد غير قليل أن تقسيم سلطة الرئاسة إلى 8 أشخاص قد يعقّد الأمور أكثر مما مضى، حيث كانت الأزمة معقدة في ظل سلطة رجل واحد وهو الرئيس هادي، فكيف بعد أن تصبح موزعة على 8 أشخاص هم متناقضون، ومتعارضون في التوجهات والأهداف والرؤى والأجندات، وأغلبهم أمراء حرب، لا مؤهل لهم لهذا المنصب غير تزعمهم لمجموعات عسكرية في الميدان، والذين من الصعوبة بمكان اتفاقهم على رأي أو توحدهم حول مسار موحد لخدمة البلاد.
وبدا الرئيس رشاد العليمي متفائلا بشكل كبير في خطابه الأول عقب تعيينه في هذا المنصب، بقوله «إن هذا اليوم من أيام تاريخ شعبنا اليمني، تم فيه اجتماع الكلمة ورص الصفوف وتوافقت فيه كافة القوى السياسية في بلادنا سعياً منها لإنهاء الحرب وبناء السلام وذلك بإعلان مجلس القيادة الرئاسي».
وأوضح أن هذا المجلس يمثل كافة الكيانات التي تعبر عن أبناء الشعب اليمني بمختلف أطيافهم وهو «تعبير عن الهدف والمصير المشترك والغاية التي يتطلع إليها شعبنا لتحقيق السلام والاستقرار والسيادة والرخاء والازدهار». معربا عن تطلعه في أن «يكون هذا المجلس نقطة تحول بمسيرة استعادة الدولة ومؤسساتها وتحقيق تطلعات شعبنا في الأمن والاستقرار والتنمية».
وفي جملة قصيرة اختزل العليمي فيها المهمة الرئيسة العاجلة لمجلس القيادة الرئاسي بقولة «نعد شعبنا اليمني العمل على انهاء الحرب وإحلال السلام وهذا المجلس هو مجلس سلام، إلا أنه أيضاً مجلس دفاع وقوة ووحدة صف مهمته الذود عن سيادة الوطن وحماية المواطنين».
وفي الوقت الذي أعلن فيه ان المهمة الأولى في قائمة أولويات هذا المجلس القيادي الرئاسي في اليمن هي التفاوض مع جماعة الحوثي الانقلابية للوصول إلى أرضية مشتركة لوقف إطلاق النار وإنهاء حالة الاحتراب بينهما، قالت جماعة الحوثي في بيان رسمي إن «هذه الإجراءات التي عملها تحالف العدوان لا علاقة لها باليمن ولا بمصالحه ولا تمتُّ للسلام بأي صلة، وإنما تدفع نحو التصعيد من خلال إعادة تجميع ميليشيا متناثرة متصارعة في إطار واحد يخدم مصالح الخارج ودوله».
وعلى الرغم من تهميش حزب الإصلاح في تشكيل هذا المجلس الرئاسي إلا أنه كان في مقدمة المرحبين بذلك، وقال في بيان رسمي «يرحب التجمع اليمني للإصلاح بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي التوافقي الذي نأمل أن يكون مدخلاً لتوحيد الجهود العسكرية والأمنية والسياسية بما يؤدي إلى استعادة أمن واستقرار اليمن وينعكس إيجابا على حياة المواطنين».
وأضاف «يرى التجمع اليمني للإصلاح أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي يحتم على جميع القوى والمكونات الاصطفاف والتعاون وتوحيد الجهود لبدء صفحة جديدة تتلافى أي أخطاء وتقصير في المرحلة الماضية».
ودعا الإصلاح المجلس الرئاسي إلى «العمل بروح الفريق الواحد لمواجهة الانقلاب واستعادة الدولة ودعم الجيش الوطني وتوحيد الأجهزة والقوى الأمنية والعودة الفورية إلى العاصمة المؤقتة عدن لمباشرة أعمالهم وتمكين مؤسسات الدولة من مباشرة صلاحياتها ومهامها الدستورية والقانونية في الحفاظ على الجمهورية وسلامة ووحدة أراضيها».
وبينما تم تعيين رئيسه عضوا في مجلس رئاسة الجمهورية، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يغيّر مطلقا من خطابه الانفصالي المناهض للتوجه الحكومي، حيث تفاجأ الوسط السياسي اليمني بعد إعلان تشكيل المجلس الرئاسي باستمرار تدفق ذات الخطاب في وسائل إعلام الانتقالي الجنوبي التي تصف رئيسه عيدروس قاسم الزُبيدي بـ»الرئيس القائد» رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية.
وقال الزبيدي خلال لقاء رمضاني جمعه بالقيادات الجنوبية المشاركة في مشاورات الرياض، مساء الجمعة «كنا واضحين مع الجميع بأننا لسنا باحثين عن سلطة، ووجدنا لانتزاع حق شعب الجنوب ولتحقيق تطلعاته في استعادة دولته المستقلة» وهو خطاب يتنافى مع سياسة المجلس القيادي الرئاسي الذي يفترض أنه يمثل اليمن الموحّد.
قراءة الوسط السياسي اليمني لهذه التحولّات تباينت وتعددت ولكنها في المُجمل تعبّر عن تفاؤل عميق، للدخول لمرحلة جديدة وخوض غمار تجربة جديدة ولو «إلى الجحيم» على حد تعبير البعض، لكثرة معاناتهم من فترة رئاسة هادي، التي ضربت رقما قياسيا في الإسهام في «تفكيك» كل مقدرات الدولة وتدمير كل مقومات الحياة.
من جانبه علّق نبيل الصوفي، السكرتير الصحافي للرئيس الراحل علي عبدالله صالح، على تشكيل المجلس الرئاسي بقوله «محزن ان تعيدنا الأحداث إلى ما كان في اليمن الشمالي في الستينات، مجالس معينة من رئيس خرجت الأمور عن سيطرته تجمع أطرافا متشاكسة.. هي خطوة موجعة وتراجع مؤلم، ولكنها مثل خطوات العلاج الكيميائي لمريض السرطان.. لا بد منها، وعلى أمل أن تمنع ما هو أسوأ وتصلح الأسباب التي أدت إلى كل هذا التراجع».
الصحافي الدكتور محمد القاضي علّق على هذا الانتقال السياسي لأعلى سلطة في اليمن بقوله «الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، عبارة قالها رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي ليزيل اللبس الذي كان في ذهن البعض.. حقبة انتهت، لتبدأ حقبة جديدة يملؤها التوجس والحذر والآمال والمخاوف في آن». وبلغة غير متفائلة بتحقيق تقدم جوهري عبر هذا التغيير السياسي، قال الإعلامي في مكتب رئاسة الجمهورية مختار الرحبي «حتى مساء أمس ما زال عيدروس الزبيدي يلتقي سفراء وشخصيات بصفته الرئيس والقائد الأعلى للقوات الجنوبية ويصرح انه لن يتخلى عن القضية الجنوبية، مما يجعل العمل أمام مجلس القيادة الرئاسي شائكا في ظل امتلاك الزبيدي ميليشيات مناطقية غير خاضعة للدولة وقد تشكل خطرا حقيقيا على مجلس القيادة».
وطالب عضو مجلس النواب المثير للجدل شوقي القاضي مجلس القيادة الرئاسي بأن يكونوا عند حسن ظن الجميع «لإنقاذ اليمن ومواطنيه في هذه المرحلة بالغة التعقيد. وتذكروا بأن أولى الخطوات التي يجب أن تنجزوها هي: إنقاذ الاقتصاد والعملة اليمنية بإجراء إسعافي عاجل، وعودة مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان إلى الداخل».
وفي إشارة إلى أن هذا التحوّل السياسي الكبير في مؤسسة الرئاسة اليمنية لن يغيّر من طبيعة الحال طالما هو مرهون بالخارج، قال الكاتب والمحلل السياسي نبيل البكيري ان «تحرير الحد الأدنى من القرار الوطني المختطف، هو مقدمة على أي خطوات أخرى، فكل خطوة لم يكن وراؤها قرار وطني هي قفزة في الهواء، وعملية انتحارية أكثر منها معالجات في صلب الأزمة والإشكال الوطني المتمثل بالانقلاب واختطاف السيادة الوطنية، فـ(الانقلاب) و(اختطاف السيادة) وجهان لعملة واحدة».
وكان الأسبوع المنصرم، حافلا بالمستجدات في اليمن، ابتداء من إعلان الهدنة من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، لمدة شهرين، والموافقة عليها من قبل الحوثيين، وبدء الخطوات العملية لتنفيذ بنود الهدنة بالسماح بدخول ناقلات نفط إلى مناطق الحوثيين عبر ميناء الحديدة التي تقع تحت سيطرتهم في محافظة الحديدة، بالإضافة إلى بدء الاستعدادات والإجراءات الفنية لاستئناف الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء الدولي قريبا، بعد رفع الحظر عليه من قبل التحالف، بسبب سيطرة الحوثيين عليه، فيما يتم وضع اللمسات الأخيرة على قوائم أسماء الأسرى والمتحتجزين لإبرام صفقة تبادل بين الحكومة والحوثيين، خلال شهر رمضان، ناهيك عن المساعي الحثيثة للتواصل مع جماعة الحوثي عبر مبعوثي الأمم المتحدة والولايات المتحدة، للدفع بجهود إحلال السلام نحو الأمام، بعد تعثر المباحثات بين الجانبين الحكومي والحوثي منذ آخر جولة بينهما في العاصمة السويدية ستوكهولم، نهاية عام 2019.
واختتم هذا الزخم من المستجدات اليمنية بتشكيل هذا المجلس القيادي الرئاسي الذي يتطلع الجميع إلى أن يكون بارقة أمل نحو إحداث خرق في جدار الأزمة اليمنية، والشروع الجدي في مساعي إحلال السلام ووضع نهاية لحالة الاقتتال التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من اليمنيين في هذه الحرب التي طال أمدها وتقترب من إكمال عامها الثامن.
ومن علامات التفاؤل والمبشرات التي أعقبت الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي، التحسّن الكبير الذي شهده سعر الصرف للعملة المحلية الريال اليمني، أمام العملات الصعبة، والتي يطمح الجميع في أن ينعكس إيجابا على أسعار المنتجات، وفي التعافي الاقتصادي بشكل عام، والذي جاء نتيجة التدفق الكبير للدعم السعودي للعملة اليمنية، عقب نقل السلطة من هادي إلى العليمي.
ومن (جمود) الرئيس السابق هادي إلى (حيوية) الرئيس الجديد العليمي، يقف اليمنيون بين عتبتي الألم والأمل في أن تكون هذه المستجدات النوعية والمتسارعة خلال هذا الشهر الفضيل رمضان، بوابة النهاية للأزمة اليمنية والمدخل الواعد لإنهاء الحرب في البلاد.

 

التعليقات على خبر: اليمن: التحوّل الكبير في سلطة الشرعية يضع الشارع بين تفاؤل للخروج من الأزمة وتشاؤل في الدخول بأخرى

حمل التطبيق الأن